هاني الفردان: صورة رضا الغسرة
أحدث اعتقال الشاب رضا عبدالله عيسى الغسرة، بمنطقة بني جمرة، يوم الخميس (23 مايو/ أيار 2013) وهو أحد الهاربين من التوقيف بتاريخ 8 مايو 2012، ضجة كبيرة في الشارع البحريني، لفظاعة الصورة التي سربت أو نشرت وهو ملقى على الأرض ومكبل اليدين من الخلف، والدماء تسيل من فمه.
لا نستغرب ولا نلوم مواطناً التقط هذه الصورة من بعيد، أو صورها بكاميرته الشخصية، أو تسلل بعدسته المخفية، وجاء بها، ولكن اللوم كل اللوم بأن تخرج هذه الصورة من قبل أفراد يعملون في الأجهزة الأمنية، ويتفاخرون بنشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
صورة التقطت لحظة الاعتقال، وفيها تظهر أحذية وظلال لأفراد قريبين من الشاب، وبالتأكيد فهذه الأحذية والظلال لأفراد ينتمون للأجهزة الأمنية، وليس لأهالي القرية مثلاً، إذ إن الشاب يعد «غنيمة أمنية» مطلوبة منذ عام تقريباً.
تزامناً مع تلك الصورة، نشرت صورة أخرى لسلاح ناري يعرض على عدسة الكاميرا، وسبق بذلك حتى التصريح الرسمي لوزارة الداخلية على لسان مدير عام الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية وبساعات طويلة، إذ انتشرت صورة السلاح الذي قيل إنه ضبط في حوزة الشاب الغسرة، قبل أن تعلن عن ذلك وزارة الداخلية وتعمم صورة السلاح.
والسؤال للقائمين والمسئولين بوزارة الداخلية، وإدارة التحقيقات الجنائية: هل يجوز للعاملين في المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، نشر أدلة جنائية، وصور للمتهمين والمعتقلين والمطلوبين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو بأي طريقة من طرق العلانية؟ ألا يعد ما حدث من نشر الصورة «الفظيعة» للشاب الغسرة وهو ملقى على الأرض، إهانة لكرامة الإنسان حتى وإن كان مطلوباً أمنياً؟ هل ستتخذ الوزارة إجراءات حقيقية للتحقيق في هذه الجريمة الإنسانية أيضاً التي انتهكت من قبل أفراد في السلك العسكري بحق متهم أو مدان أو مطلوب له من الحقوق ما تحفظ كرامته وإنسانيته؟
قد يذهب البعض للقول، بأن الناس تنشر صوراً كثيرة الشبه بهذه الصورة، ولمواقف قريبة، وتحظى بتأييد وقبول الشارع، ولكن الأمر مختلف لأن أولئك أناس عاديون، ليسوا ملزمين بما يُلزم به أفراد الأمن المنوط بهم تطبيق القانون باسم الدولة وحفظ كرامة الإنسان لحظة اعتقاله.
إن القرار رقم (14) لسنة 2012 بشأن إصدار مدونة سلوك رجال الشرطة نص بوضوح على أن «رجال الشرطة هم في الحقيقة يمثلون الدولة وأداتها الفاعلة في ممارسة حقها لتحقيق الاستقرار للصالح العام، بما يضفي على عملهم نوعاً من القداسة والمهابة نظراً لما يسند إليهم من صلاحيات مهمة وخطيرة تتصل بالإنسان وقد تنال من حريته في أحيان كثيرة بالقانون وباسم الدولة». فهل ما قام به أفراد الأمن من نشر صور الغسرة لحظة اعتقاله يأتي ضمن «القداسة والمهابة» أو أن ذلك ضمن «الصلاحيات المهمة والخطيرة التي أوكلت لهم باسم القانون والدولة»؟
ترى مدونة السلوك أيضاً أن «الهدف الأساسي لهذه المدونة هو إحداث ثقة متبادلة بين رجال الشرطة والمجتمع»، فعن أي ثقة يمكن الحديث، عندما تنتهك بممارسة أدوار، ونشر صور لمواطنين، سواءً كانوا متهمين أو مدانين، بالطريقة التي شهدناها مؤخراً؟
تلزم المدونة في باب واجبات رجال الشرطة بحماية صحة الأشخاص المحتجزين في عهدتهم، كما تلزمهم بأن يحترموا في أداء واجباتهم الحقوقية والدستورية والقانونية معايير حقوق الإنسان في التعامل مع الشهود والمتهمين والمشتبه بتورطهم في ارتكاب جرائم. وتفرض المدونة على رجال الشرطة الحفاظ على سرية ما في حوزتهم من أمور ذات طبيعة سرية ما لم يقتضِ خلاف ذلك الاقتضاء أداء الواجب أو متطلبات العدالة، وتحظر على رجل الشرطة استغلال ما لديه من معلومات بسبب العمل في تحقيق مصالح أو مكاسب شخصية، ونشر أية وثائق أو معلومات تتصل بالعمل بهدف الربح أو تحقيق مصالح شخصية أو الاحتفاظ بأية أوراق رسمية مما يقع تحت يديه.
هذه باختصار نصوص وبنود مدونة سلوك الشرطة التي يجب على رجال الشرطة الالتزام بما جاء بها، على اعتبارها مرشداً وهادياً لهم في أداء واجباتهم، وبمثابة عقد اجتماعي جديد بينهم وبين المجتمع البحريني، وخطوة على الطريق نحو مستقبل أفضل في ظل الاحترام والثقة المتبادلة بين المجتمع والشرطة.
إلى كل المسئولين بوزارة الداخلية: هل تم تطبيق هذه البنود التي أوردتها المدونة في اعتقال رضا الغسرة؟ هل احترم أفراد الأمن سرية المعلومات، وخصوصية المعتقل؟ ألم يستغلوا وظيفتهم وما بين أيديهم من معلومات ووثائق وأدلة لتحقيق أهداف شخصية، ونشرها بأساليب العلانية؟
أسئلة ننتظر فيها الإجابة، علّنا نفهم إلى أي حد بلغنا بعد عام وثلاثة أشهر من إعلان دخول مدونة سلوك الشرطة حيز التنفيذ.